شبهة قِصَةُ الإِمَامِ مَالِكٍ مَع أبِي
جَعْفرٍ المَنْصُورِ واستقبال قبر الرسول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
، وبعد:
يستدل الصوفية لجواز الطلب من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو في قبره الشريف ، بما رواه القاضي عياض رحمه الله في كتابه
" الشفا " (2/595 – 596) بسنده: حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن
الأشعري ، وأبو القاسم أحمد بن بَقِي الحاكم ، وغير واحد ، فيما أجازُونيه ؛ قالوا:
أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دِلهات ؛ قال: حدثنا أبو الحسنعلي بن فِهر ، حدثنا
أبو بكر محمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن بن المُنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي
إسرائيل ، حدثنا ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في المسجد ، فإن
الله تعالى أدب قوماً فقال: " لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ
وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" [الحجرات: 2] .
ومدح قوما فقال: " إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ" [الحجرات: 3] .
وذم قوما فقال: " إِنَّ الَّذِينَ
يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " [الحجرات:
4].
وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً . فاستكان
لها أبو جعفر ، وقال: يا أبا عبد الله ؛ أأستقبل القبلة وأدنو أم أستقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام
إلى الله تعالى إلى يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به ، فيشفعك الله ؛ قال تعالى:
" وَلَوْأَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا" [النساء:
64]. اهـ وهذه القصة لا تصح لعدة أمور ، منها:
من جهةِ السندِ:
قال في " الفتاوى " (1/228):
فَهَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ
مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً بِإِسْنَادِ
غَرِيبٍ مُنْقَطِعٍ رَوَاهَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إجَازَةً ... فذكرها بسندها عن القاضي
عياض ، ثم قال: قُلْت: وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ مُنْقَطِعَةٌ ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ
حميد الرَّازِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مَالِكًا ، لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ
الْمَنْصُورِ ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ
وَمِائَةٍ ،وَتُوُفِّيَ مَالِكٌ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ . وَتُوُفِّيَ
مُحَمَّدُ بْنُ حميد الرازي سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْ
مِنْ بَلَدِهِ حِينَرَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ كَبِيرٌ مَعَ أَبِيهِ
، وَهُوَ مَعَ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، كَذَّبَهُ أَبُو زُرْعَةَ
، وَمحمد بن مسلم بْنُ وارة.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأسدي:
مَارَأَيْت أَحَدًا أَجْرَأَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ وَأَحْذَقَ بِالْكَذِبِ مِنْهُ
.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَبِيبَةَ: كَثِيرُ
الْمَنَاكِيرِ .
وَقَالَ النسائي: لَيْسَ بِثِقَةِ . وَقَالَ
ابْنُ حِبَّانَ: يَنْفَرِدُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَقْلُوبَاتِ .
وقال ابن خراش: حدثنا ابن حميد ،وكان والله
يكذب !
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: فرأيت بعد
ذلك أبي إذا ذكر ابن حميد: نفض يده !
وَآخِرُ مَنْ رَوَى الْمُوَطَّأَ عَنْ مَالِكٍ
هُوَ أَبُو مُصْعَبٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ عَلَى
الْإِطْلَاقِ هُوَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ السَّهْمِيُّ تُوُفِّيَ
سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَفِي الْإِسْنَادِ أَيْضًا مَنْ لَا تُعْرَفُ
حَالُهُ.ا.هـ
وقال أيضا في " الفتاوى "
(1/225):
وَكَذَلِكَ مَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ
جَوَّزَ سُؤَالَ الرَّسُولِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ أَوْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ
إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ - غَيْرِ مَالِكٍ - كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَغَيْرِهِمَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنْ بَعْضُ الْجُهَّالِ يَنْقُلُ هَذَا
عَنْ مَالِكٍ ، وَيَسْتَنِدُ إلَى حِكَايَةٍ مَكْذُوبَةٍ عَنْ مَالِكٍ ... وَأَصْلُهَا
ضَعِيفٌ .ا.هـ.
وقال أيضا في " الفتاوى "
(1/353): وَالْحِكَايَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْمَنْصُورِ
لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْحُجْرَةِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ، وقال:
" هُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُأَبِيك آدَمَ " كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ ، لَيْسَ
لَهَا إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.